الكويت الاخباري

"الأيام" ترصد مشاهد جديدة من العدوان وتبعاته على النازحين - الكويت الاخباري

كتب محمد الجمل:


تواصل "الأيام" رصد مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، بحيث سلّطت الضوء على جزء من معاناة النازحين المتفاقمة، خاصة في ظل تصاعد المجاعة، وانتشار التلوث، وتشديد الحصار.
ومن أبرز المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام" مشهد يوثق انتشار النزلات المعوية في مخيمات النازحين، ومشهد آخر يُسلّط الضوء على مصاعب السكن على شاطئ البحر، ومشهد ثالث تحت عنوان: "الحياة في غزة تعود للوراء".

 

انتشار النزلات المعوية
شهدت الفترة الماضية انتشاراً متزايداً للأمراض المعدية في صفوف النازحين بقطاع غزة، خاصة في مناطق مواصي خان يونس.
واشتكى نازحون من انتشار أمراض معوية خاصة في صفوف الأطفال، وهي نتاج التلوث الكبير، خاصة في مياه الشرب، وانتشار الصرف الصحي في محيط مخيمات النزوح.
وذكر المواطن إبراهيم ماضي، أن ثلاثة من أبنائه أصيبوا بنزلات معوية حادة بشكل متلاحق، حيث كان أحدهم ينقل العدوى للآخر، وتراوحت أعراض النزلات المعوية بين إسهال وقيء، وارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى إعياء عام، وفقدان الشهية للطعام.
وأوضح أنه توجه إلى إحدى النقاط الطبية برفقة أبنائه لعلاجهم، ففوجئ بالعشرات جاؤوا للسبب ذاته، مشيراً إلى أن الأمراض المعوية انتشرت بشكل كبير في مناطق المواصي.
وقال أطباء، إن النزلات المعوية المنتشرة حالياً في قطاع غزة ناتجة عن إصابات فيروسية، سببها ظهور فيروسات بسبب التلوث الحاد، موضحين أن الاكتظاظ الشديد أسهم في سرعة انتشالها.
وفق الخبير البيئي المهندس سعيد العكلوك رئيس قسم مراقبة المياه والصرف الصحي في وزارة الصحة، فإن انتشار الصرف الصحي داخل وفي محيط الخيام، وإحداث حفر امتصاصية للتخلص من المياه العادمة، يسهمان في تسرب المياه العادمة إلى الخزان الجوفي، ويعتبر أمراً خطيراً له عواقب وخيمة على الصحة العامة، والنظام البيئي برمّته، ويتسبب في تلويث الخزان الجوفي، ويهدد بانتشار واسع للأوبئة والأمراض، خاصة في ظل غياب الرقابة بالكامل على الآبار الزراعية التي يعتمد عليها النازحون للحصول على احتياجاتهم من المياه، وعدم وجود مواد التعقيم اللازمة لتعقيم مياه الشرب.
وحذرت وزارة الصحة، ومنظمة الصحة العالمية من مخاطر أكبر جراء انتشار أمراض معدية أشد خطورة، منها الكوليرا، والكبد الوبائي، وفيروس شلل الأطفال، في ظل التلوث الشديد المنتشر في بيئات النازحين، وتراجع حاد في الخدمات المقدمة، وتكدّس كميات كبيرة من النفايات الصلبة.
بينما أكد مدير المستشفيات الميدانية في قطاع غزة، الدكتور مروان الهمص، أن الإصابات بالأمراض الناجمة عن تلوث المياه ارتفعت بشكل كبير خلال الأشهر الماضية، حيث سُجل لدى وزارة الصحة في غزة أكثر من 1.5 مليون إصابة بأمراض معوية، وطفيلية، وجلدية وتنفسية، وهذا جاء في ظل شح كبير بمواد التنظيف والتعقيم، خاصة المستخدمة في تطهير مياه الشرب.

 

السكن على الشاطئ
أجبر الزحام الشديد في منطقة مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة، عشرات الآلاف من النازحين على الإقامة على شاطئ البحر مباشرة، على بعد أمتار قليلة من مضرب الأمواج. لكن الإقامة على الشاطئ أمر لا يخلو من مشكلات ومعاناة كبيرة، رغم بعض المنافع والمزايا التي يتمتع بها النازحون هناك.
"الأيام" تجوّلت بين الخيام المقامة على الشاطئ، واستمعت إلى شكوى ومعاناة النازحين الذين يقيمون على شاطئ البحر، إذ أجمعوا على أن السكن هناك أمر بالغ الصعوبة والخطورة.
ووفق النازح عبد الله الطويل، فإن السكن على شاطئ البحر أمر صعب، خاصة إذا ما طالت مدته، مبيناً أن أهم وأكبر مشكلة هي صوت الأمواج الذي لا يتوقف، وهذا يؤثر على سمع وتركيز المواطنين، ففي البداية يكون هذا الأمر مصدر إزعاج، ويحرم البعض من النوم، لكن مع مرور الوقت يعتاد الناس عليه، وهذا الاعتياد بحد ذاته مشكلة، ففي حال غادر أي شخص منطقة الشاطئ متوجهاً إلى السوق أو أي مكان آخر، يظل يسمع صوت الأمواج في أذنه، حتى وهو بعيد عنها، وتتراود على مسامعه أصوات تشبه الأمواج.
وبيّن أن المشكلة الأخرى هي الرطوبة المرتفعة جداً، والتي تصل إلى حد تبلل الخيام والملابس والفراش، في ساعات الليل المتأخر والفجر، وهذا يؤدي إلى تلف الخيام، وتأثر أجهزة الهاتف النقال وتعطلها، وبعض المرضى يعانون من فرط الرطوبة، ناهيك عن مشكلة دخول الأمواج إلى خيام النازحين مع كل ارتفاع لها.
ولفت الطويل إلى أن العيش وسط الرمال، وبين السرطانات البحرية التي تدخل الخيام ليلاً، أمر صعب، يؤرق حياة النازحين، ويزيد من معاناتهم.
بينما قال المواطن سامي المصري، إنه ورغم كل المساوئ، إلا أن هناك بعض الميزات للإقامة على شاطئ البحر، منها توفر المياه باستمرار للاستخدامات المنزلية المتنوعة، ولاستحمام الأطفال، فمياه البحر قريبة والانتفاع منها أمر سهل.
وأشار المصري إلى أنه وغيره من النازحين يمكنهم البقاء على شاطئ البحر حتى موعد أقصاه منتصف شهر تشرين الأول المقبل، بعد ذلك يصبح الأمر شديد الخطورة، بسبب دخول موسم الأمطار والشتاء، وارتفاع المد البحري، ما يتسبب بغرق الخيام، آملاً بأن تنتهي الحرب ليعودوا إلى بيوتهم، أو حتى محيطها قبل انتهاء فصل الصيف الحالي.

 

الحياة تعود للوراء
يشهد قطاع غزة بأسره تراجعاً كبيراً في الخدمات الرئيسة، وتناقصاً في الموارد المتاحة، وتقليصاً في مظاهر الحياة المُتقدمة، مع فقد الكثير من مقومات الحياة الحديثة.
فبعد مرور نحور 21 شهراً من الحصار والعدوان، فقد قطاع غزة غالبية مصادر المياه، وجميع مصادر الكهرباء، وتوقفت عشرات آلاف المركبات عن العمل، ودُمرت أخرى، كما لم يعد بالإمكان استخدام جميع أنواع الأجهزة الحديثة التي تُسهل الحياة، وتُخفف عن المواطنين.
وأمام هذا الوضع الكارثي، بات سكان القطاع مُجبرين على استخدام أنماط قديمة وبائسة من الحياة، لا تعتمد بالمطلق على الحداثة والتطور، فبات المشي أو ركوب عربات "الكارو" هما وسيلتا النقل والمواصلات الوحيدتان في القطاع، بينما أضحت الأعمال المنزلية مُعتمدة بالكامل على الجهود اليدوية، مثل الغسيل، وتنظيف الأواني، في حين بات الحطب والخشب الوقود الوحيد المتوفر من أجل طهي الطعام وتجهيز الخبز.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فتوفير الحد الأدنى من السلع الضرورية للحياة لا يمكن دون المغامرة بالحياة، عبر الاضطرار للتوجه إلى مراكز المساعدات الأميركية الخطيرة، في ظل عدم توفر بديل.
وقال المواطن عبد الله رمضان، إنه وغيره من المواطنين في قطاع غزة فقدوا جميع مظاهر وأشكال الحداثة، وعادوا في حياتهم إلى 7 أو 8 عقود للوراء، فحياة الأجداد إبان النكبة كانت أسهل وأفضل من حياتهم الآن.
وأشار إلى أنه يبدأ يومه بحمل "الجالونات" الفارغة والتوجه إلى مصدر مياه بعيد، لجلب عشرات اللترات، وبمجرد وصوله تبدأ زوجته بغسل الملابس وتنظيف الأواني يدوياً، ثم تُشعل النار للطهي وإنضاج الخبز، قبل أن يتوجه هو إلى مركز المساعدات الأميركية لجلب بعض الطعام رغم الخطر.
وأكد أن استمرار الحرب يفقدهم المزيد من مظاهر الحياة الحديثة، فحتى الهواتف النقالة بدأت تتلف جراء كثرة الاستخدام وعدم وجود بدائل، ومنع وصول قطع الغيار، بينما خدمات الإنترنت، التي كانت تربطهم بالعالم، تنقطع أكثر مما تصل، في حين ما زال التعليم بجميع أشكاله متوقفاً، وكل يوم يمر يعود وغيره من سكان قطاع غزة سنوات للوراء، حتى بات القطاع من أكثر المناطق تخلفاً مقارنة بالمحيط الذي يتواجد فيه.

 

أخبار متعلقة :