ما صدق النهار يطلع، لفّ عمامته على رأسه، واستندر كوته الأسود المرقّع بقماش أبيض، وأدخل ذرعانه في الأكمام؛ وفتّش جيوب الكوت، واخترج غليونه، وطلب من زوجته تلقط له جمرة، يشعل بها التعميرة، فقالت ما بعد فكيت ريقك يا مخلوق، علّق بصوت هامس؛ قلبها مني والله يا سعدها لو تغمّض وتفتّح ما تلقى لي الطاري؛ وتظلّي تلعب شمطه، ثم صعق عليها هات الجمرة، ما كل من فكّ ريقه ينسمح طريقه.
طبّ على (مشخوط) وهو فوق العتبة، يقصّع قِذان ترحى في سرواله؛ ولا سلام ولا كلام؛ نشده اعلمني وش أغداك تنكح مرة ندّة أُمك يا منصول الخوش، جاوبه ببرود قائلاً معها مرزق، وابن عمك جيب خاوي، وبطن طاوي، وعيشة حقاوي، ولو ما يرزقني ربي منها إلا بولد يشيل اسمي بعد موتي، فقحّط ضروسه على بعضها؛ لين غدا لها صرّة، وقال يشيل اسمك لا تُكن من بني مقرن، ومنين يجيها عيال.
أكمل تعميرة الغليون، والعريس يلاحق القِذّان، شيء يصيده باصبع السبابة، وشيء يتسلل إلى جسده، وما أدركه يفركه بين السبابة والإبهام، ويشفط ريقه مع كل قصعة؛ فيصدر صوتاً مثل خشخشة النيص بين الحشيش؛ وتلمح فيه، إلا وحالته تَرْحِم، سيقانه صخاف كما قلموز الجرادة، والخرابة اللي يعيش فيها ما تسكنها الكلاب، فتغبن أنه زهق عليه، وقال تدري يا ابن العم، الله يجعلها ساعة مبروكة، وأنت لا معك مال وهي ما عد فيها عِيال، فالتبس سرواله، واقترب من ابن عمه، وخفته في إذنه: تقول ما بعد قطعتها العادة، فاتجه للقبلة رافعاً كفيه وقال: الله يا من يقل معك عقل يأخذ عقله.
تيقّن (شاخط) أن الشرهة بتعوّد عليه؛ فهو آخر شيبان عائلة (العُبعُبه) والعين التي دمعها ما يبلّ حفافها عساها بالعمى، فطلب منه يسبقه؛ يقلع صكاك الحمارة من الربعة؛ ويسقيها؛ ويتولّم للمهباط؛ وعندما شرّف على السوق، إلا والعروس (أم المراكي) باسطة بغزلها ومنافيشها، وبخورها؛ فالتفت في مشخوط، وقال هي تيه اللي بتأخذها، تتميجغ في هروجها ولبانتها لها طقطقه في حلقها؟ لم يردّ عليه؛ جرّه بيده، قائلا: تعال نتفاول عند فاضل ونشرب البراد.
وهم على صحن الفول والتميسة، حاظاهم تاجر الحلال (بعير) ولأن أهله وأهلهم كانوا يتعاصبون بالثيران، طلّق من ركبته؛ ليتنقون أطيب البقر، ويسددونه من المباركة، ولكي يرفع معنويات العريس، أقسم بالله إنها عِرْبِيّة تسوى ميّة رجال، علّق (شاخط) مية من عيّنتك وعيّنة مشخوط، فضجت القهوة بالضحكات، كون الهباطة متقاربين ويسمعون هروج بعضهم.
صدروا بالقِرى، ولقيهم الفقيه أسفل الدار، ولأنه يهاب شاخط سوى نفسه ما يدري؛ فنشدهم ما شاء الله؛ كيف الكم اشتريتموها (منيحة وإلا ذبيحة) قال شاخط: قِرى لصدة رفيقك، فقال: ما علّمني؛ فحلف شاخط أنك تدري وإنها دلايلك يا دلال النسوان، فبغى يحلف؛ فردّ عليه بنهرة لا تحلف، والله لو كانت لحيتك واصلة كراعينك ما أصدقك، فقال: العانيّة مني كيس حنطة؛ فقال: ما قعدنا في حراك يا السحار؛ ما لك خير في أبوك ولا أخوك ولا ولدك، لهطت الأول والتالي، فتدخل مشخوط؛ تعوذوا من الشيطان، وإذا بالعروس معدّية من جنبهم؛ وريحة الكادي واصلة العرش، ففك حبل البقرة وكشر، فصاح عليه: البقرة بتشرد، وأضاف: دخت يا مقصّع القِذان ما ضريت بالهياله!!!
حضر الفقيه ليعقد، ونشد مشخوط من هو وليّها؛ فردّ شاخط: وليّها أبو حميميق، ولكي تغيضه، حطت جمرتين في المبخر، وأخرجت علبة من سحاريتها، وحطت جاوي وضفر؛ ودارت على المجلس، ويوم قربت منه؛ قالت: أعميتنا بريحة الغليون يا صالح المالكي؛ وبغى يردّ، إلا وولدها داخل عليهم؛ رحّب بالرجاجيل، وسلّم في رأس أمه وكفها، وقعد قبالة الفقيه، نشده عن المهر، فأجابت من سد الزافر: المهر وصل، وتم العقد، وجاء يوم المرواح.
سرح مشخوط للكر، وتروّش؛ ولبس الثوب اللي اشترته له حبيبة الصباح، والجماعة ذبحوا البقرة، وزهبوا عشاهم، وأقبل الشاعر أبو شوارب، فاستقبله شاخط، وأخذه للبيت، قهواه وكساه مقدّماً، وقال: طلبت تكويه بقصيدة أبو كهيل، وبعد العشاء دقّ الزير؛ وبدع الشاعر: (الذي يمشي على الشوك حافي ما عليه، ما انوس إلا زفرته يوم ياطى حرّ شوك، كنّ ما تحته جمارك وفوقه حرّ شمس، وانت يا مشخوط لا بدّ ياجيك المطر، لا تضيّع ميرتك في صعيدٍ صفصفا).
انسدح مع العروس وهي سدحتها اللي ما صحيت منها، حشرها وانكتمت أنفاسها في كيس النوم، ولأنها مقطوعة من شجرة، ما أحد بكاها، وغدت القريّة تهني لمشخوط الذي ورث البيت والوادي، وكلما شاف شاخط معدّي من المسراب، قال: عدّ تقهو بيجيني آخي الفقيه؛ فيردّ عليه: الله يجعلها تواك إنت وهو؛ يا مبللين القوايل، ومستحلين ميراث الأرامل.
أخبار ذات صلة
0 تعليق