عاجل

"الثمالة" و"المغيض".. أبنية زراعية لمقاومة التضاريس الجبلية في عسير - اخبار الكويت

0 تعليق ارسل طباعة
تم النشر في: 

06 مايو 2025, 3:13 مساءً

ابتكر الإنسان منذ القدم وسائل مختلفة لتوفير الغذاء والماء حتى في أقسى الظروف الطبيعية والبيئية، وتجلى ذلك في أساليب بناء المدرجات الزراعية والحفاظ عليها لمئات السنين وسط الجبال الشاهقة في منطقة عسير.

ويبدأ بناء المدرج الزراعي بتشييد جدران حجرية تسمى محليًا "الثمايل"، وهي أسوار من الأحجار توضع أساساتها فوق كتل صخرية ثابتة، ثم تتدرج في الارتفاع من مترين حتى تصل في بعض الأحيان إلى ستة أمتار، وتشكّل "الثمايل" ومفردها "ثمالة" العمود الفقري للمدرج الزراعي.

ويصف الباحث في مجال التراث العمراني أحمد مريف البارقي "الثمالة" بأنها أسوار من الحجر تبنى بغرض احتجاز مساحة من الأرض الجبلية المنحدرة، وذلك ببناء السور الحجري على مساحة معينة وبارتفاع من متر إلى عشرة أمتار، وربما زاد عن ذلك بحسب طبيعة الأرض، ثم يردم السور بعد الفراغ منه بالطين والتربة والأحجار، ليصبح بعد ذلك قطعة مستوية من الأرض صالحة لإقامة المساكن والمزارع الجبيلة عليها، ويستخدم هذا النمط في الجبال لعدم توافر الأراضي بمساحات كافية، كما يستخدم في السهول إذا كانت الأرض غير مستوية.

وتظهر بعض المباني في "الثمايل" تنوعًا في الأساليب تبعًا لمكونات البيئة المحيطة، فالبعض يستخدم إضافة إلى الأحجار الضخمة جذوع الأشجار، تحديدًا أشجار العرعر والسدر في تدعيم الأسوار الحجرية وتثبيتها؛ لمنع تداعيها خصوصًا في وقت الأمطار الغزيرة.

وفي الوقت الذي تكون فيه "الثمالة" حاجزًا حجريًا يمنع انهيار التربية والحفاظ على الماء داخل المدرج الزراعي، يبرز نمط معماري آخر ضمن مكوناته الرئيسة وهو "المغيض" الذي يشيد لغرض سقيا الحقول الزراعية، ولتصريف المياه الزائدة عن حاجتها بعد امتلائها بمياه الأمطار.

ويشير الباحث البارقي في كتابه "الآثار والتراث في محافظة بارق" إلى أن البنائين قديمًا كانوا يستخدمون في بداية بناء "المغيض" الحجر المربع أو الطويل، وفي آخر طبقاته العليا يستخدم الحجر المسطح المصقول، حيث يكون مساويًا لأعلى نقطة من سطح الأرض فتمر عليه المياه لتفيض إلى الحقل الآخر.

ويقام "المغيض" في أعلى نسبة ارتفاع من سطح الأرض الزراعية، وذلك بغرض احتجاز أكبر قدر ممكن من مياه الأمطار مع إمكانية فيضان الماء الزائد عن الحاجة دون أن يتسبب في انهيار العقوم الترابية المقامة على جنبات المزرعة.

ويمثّل "المغيض" نمطًا متحضرًا ومتقدمًا للإنسان الأول لما فيه من براعة هندسية من حيث البناء، وقياس الكميات المستوعبة من المياه المحتبسة التي تحقق إرواء الأرض بالمياه لفترة طويلة، مع احتساب الكمية القصوى التي يمكن أن تتحملها الردوم المحيطة بالمزرعة حتى لا يتسبب الماء في انهيارها.

ووفق عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد الدكتور غيثان بن جريس؛ فإن هذه الأنماط العمرانية والهندسية المتقنة تدل على أن منطقة عسير ضمت منذ آلاف السنين حضارات قديمة استطاعت التكيف والتغلب على ما كان يقابلها من مشاكل طبيعية أو غيرها، كما أن بناء مثل هذه المدرجات يساعد على حفظ تربة المزارع من الضياع والاندثار، إلى جانب الحفاظ على القطعة الزراعية بمعالم وحدود معينة تفصلها عن المزارع الأخرى المجاورة لها.

ولا تقتصر مهمة الأسوار الحجرية على الحفاظ على تربة المزارع وحدودها، بل تتعدى ذلك إلى أن تصبح من أهم محددات الأملاك الخاصة للأسر أو العشائر، وكان يعتد بها في معرفة حدود الأرض لكل فئة من المجتمع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق