شعب غاضب.. وسلّة تسوّقه أمريكية! - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

أندرو موران*

تشعر كندا باستياء وغضب شديدين من فرض الرئيس دونالد ترامب رسوماً جمركية على السيارات والصلب والألمنيوم. في الواقع، بلغ استياء الكنديين حدّ الانخراط في تظاهرات مُحتشدة، متعهدين بهزيمة سياسات ترامب الاقتصادية وألا يصبحوا الولاية الأمريكية ال 51. ولكن، بينما قد يظن الشمال أنه في حرب تجارية، فإن تصرفات الحكومة والشعب تشير إلى أنهم منخرطون في صراع وهمي.
ففي جميع أنحاء كندا وعلى منصات التواصل الاجتماعي وغيرها، تشجع الشركات والمشاهير والمنظمات المستهلكين على شراء المنتجات المصنعة محلياً. وقد حققت هذه الحملات التسويقية نجاحاً معقولاً، حيث أظهر استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة «ليجير» أن ثلثي المستهلكين الكنديين يشترون كميات أقل من المنتجات الأمريكية، وأن 55% قلّصوا حجم مشترياتهم من أمازون. حتى أن رئيس الوزراء الكندي السابق جاستن ترودو صرح بأنه سيستخدم كاتشب «فرينشز» بدلاً من «هاينز».
المثير في الأمر أنه خلال هذه الحملات، يصور المتسوقون أنفسهم وهم يقاطعون الشركات والبضائع الأمريكية دون أن يدركوا أنهم ما زالوا يشترون من الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، «فرينشز» نفسها، هي في الواقع علامة تجارية أمريكية مملوكة لشركة ماكورميك! صحيح أن الطماطم تُزرع في كندا، لكن أصل هذه الشركة هو الولايات المتحدة.
وأيضاً، نشر أشخاص على منصة «ريديت» صوراً وهم يتناولون آيس كريم «تشابمانز»، وهو من المنتجات الأساسية التي يفضلها الكنديون. ربما لا يدرك هؤلاء أن الشركة تعتمد على موردين أمريكيين في توفير المكونات الرئيسية لمنتجاتها.
مثال آخر، يرتشف كثير من الكنديين، وغيرهم، مشروب المياه الغازية الشهير «بوبلي». ورغم أن المغني مايكل بوبلي روج لهذا المشروب، إلا أنه مملوك في الواقع لشركة «بيبسيكو» الأمريكية، وهذا هو الأهم.
هل شاهدت مؤخراً مباراة فريق تورنتو بلو جايز للبيسبول، حين هتف المشجعون باسم كندا كثيراً، وأطلقوا صيحات الاستهجان للنشيد الوطني الأمريكي؟ على الرغم من غضب سكان تورنتو بشأن تبجح جارتهم، إلا أنهم كانوا سعداء جداً بحضور مباراة دوري البيسبول الرئيسي للمحترفين المملوك أصلاً للولايات المتحدة!
في غضون ذلك، أعادت المقاهي المستقلة تسمية قهوة أمريكانو الشهيرة إلى «كاناديانو». وهذا يرجع بنا إلى بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما غيّر المحافظون تسمية البطاطس المقلية من «فرينش فرايز» إلى «بطاطس الحرية» «فريدوم فرايز»، احتجاجاً على رفض فرنسا المشاركة في حرب العراق الكارثية. كان هذا مُحرجاً قبل عقدين من الزمن، ولا يزال مُحرجاً الآن.
لنكن صريحين، أمريكا الشمالية متكاملة تجارياً بعمق، ويصعب العثور على منتجات، سواءً كانت مواد خام أو معدات، أمريكية أو كندية خالصة بنسبة 100%. والمقاطعة ستفتح أمام كندا أبواباً جديدة من الشكاوى والاحتجاجات الشعبية، من أسعار المنازل القياسية، إلى الرعاية الصحية المُزرية، والفرق الرياضية المتواضعة.
والمضحك في الأمر هو أن الكنديين أعربوا عن غضبهم من الرسوم الجمركية الأمريكية، لكنهم التزموا الصمت حيال فرض الصين رسوماً مشابهة بنسبة 100% على منتجات زراعية كندية محددة، وأخرى بنسبة 25% على المنتجات البحرية وغيرها.
أقرّ رئيس الوزراء الكندي مارك كارني بوجود حلول للخلاف التجاري الذي أججه ترامب. والفكرة الرئيسية تطبيق رسوم جمركية انتقامية، وهي خطوة حظيت بتأييد واسع من جميع الأطياف السياسية - باستثناء حزب الشعب الكندي. وفي أعقاب يوم التحرير، استخدم الزعيم الليبرالي لهجة أكثر عدائية حين قال: «إذا لم تعد الولايات المتحدة ترغب في القيادة، فستفعل كندا ذلك. لقد حان الوقت لإعادة التفاوض على علاقتنا معها».
حتى الآن، كان اقتراح كارني المعقول الوحيد هو إزالة الحواجز التجارية بين المقاطعات. وهذا من شأنه أن يدفعنا إلى التساؤل: لماذا توجد قيود تجارية داخلية أساساً على التجارة الحرة بين المقاطعات الكندية؟ ويؤجج سؤالاً آخر، إذا كانت التعريفات الجمركية سيئة عندما تطبقها أمريكا، فلماذا تكون جيدة عندما تطبقها دولة أخرى؟
حقيقة، لا تستطيع كندا تحمل عبء حرب تجارية. خصوصاً أن اقتصادها، والكثير من الأسواق المتقدمة والنامية حول العالم، ظلّ متعثراً على مدى السنوات القليلة الماضية، متجنباً الركود بصعوبة بالغة مع كل ربع سنة يمر. كما أرهقت تكاليف المعيشة الأسر، وأصابت ضريبة الكربون الشركات في مقتل، ولم تحقق الميزانية التوازن المطلوب.
في المقابل، تتمتع الولايات المتحدة برفاهية متنوعة، بدءاً من كونها أكبر اقتصاد وسوق عالميين، وصولاً إلى امتلاكها عملة الاحتياطي الدولية. لذلك، يمكنها تحمل وتجاوز موجة من الإجراءات الانتقامية. وعليه، سيحتاج كارني إلى بذل المزيد من الجهود البنّاءة، متجاوزاً أسلوب «العين بالعين» في فرض تعريفات جمركية مضادة. ولكنّ اقتراب موعد الانتخابات يفسّر بوضوح سبب تظاهر رئيس الوزراء الكندي بالقوة.
*محرر الاقتصاد في «ليبرتي نايشن»

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق