ترامب والاقتصاد - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

د. لويس حبيقة *
إذا كان صحيحاً في الولايات المتحدة أن هناك آلاف الموظفين الذين يتقاضون الأجور دون القيام بأي عمل، فهؤلاء يجب أن يطردوا وتوزع المهمات على الذين يأتون إلى المكتب كل يوم وضمن الدوام الرسمي. لماذا إلغاء جهاز المساعدات USAID الذي يدعم الفقراء في الداخل والخارج؟ فقط لأنه لا يفيد مباشرة الإدارة الحالية؟ لماذا إلغاء وزارة التعليم وهي أساسية لربط برامج ومناهج التعليم بين الولايات الخمسين؟ أمريكا تغيرت ربما دون رجعة.
يريد ترامب بيع عدد كبير من أملاك الدولة، وهذا في المبدأ مفهوم، لكنه غير ضروري لدولة بغنى وحجم الولايات المتحدة. أخطر ما في مضمون نظريات ترامب رغبته بالهيمنة على المصرف المركزي المستقل، والتي تعني السيطرة على سياسة تحديد الفوائد وتحريك حجم الكتلة النقدية. ترامب هو علناً ضد مبدأ استقلالية المصرف المركزي الذي ساهم، عبر السيطرة على التضخم، في تقوية أمريكا ونمو اقتصادها.
التجارة الدولية والتعريفات هي جوهرة نظرياته الاقتصادية. واقعاً بنيت العلوم الاقتصادية الحديثة على مبدأ التجارة الحرة التي أفادت الاقتصاد الدولي كثيراً، خاصة منذ الحرب العالمية الثانية. التطبيق لم يكن دائماً جيداً، لكن النظريات ممتازة، ويجب تصحيح التطبيق ومعاقبة المحتكرين والفاسدين وسارقي أموال الشعب. يقول إنه يريد تقوية الاقتصاد عبر التعريفات، لكن المعروف عالمياً أن التعريفات تسيء إلى النمو وتضعف التجارة. معظم جوائز نوبل للاقتصاد أعطيت لمن اعتنق سياسات التجارة الحرة التي هي محط إجماع الأكثرية الساحقة من الاقتصاديين.
التعريفات التي وضعها ترامب مؤخراً هي مبدئياً دائمة، لكنه أوقف فعاليتها لتسعين يوماً لإراحة الاقتصاد الأمريكي من تأثيراتها السلبية، باستثناء ما طبق على الصين. استفاد العديد من المستثمرين من انخفاض مؤشرات الأسواق وثم تعافيها المؤقت، بعد تجميد التعريفات. نتيجة التعريفات كانت ستكون تعثر التجارة الدولية وانحدار النمو وزيادة الفقر. أما العلاقات المهمة جداً مع الصين فتتعثر وربما تدفع هونغ كونغ وتايوان ثمن السياسات. تسوء العلاقات مع أوروبا وربما تكون فرصة للوحدة الأوروبية لتقوية نفسها، وتخفيف الاتكال على الحليف الأمريكي.
في ما يخص المهاجرين ونتكلم هنا عن الهجرة الشرعية، فهي عملياً التي جعلت أمريكا قوة عظمى. المطلوب تعديل قوانين الهجرة وليس وقف الاستقبال، وجميعنا يعرف مدى حاجة أمريكا إلى استيراد الطاقات العمالية والفكرية والتقنية. معالجة موضوع الهجرة لا يتم فقط بالقوة والظلم وإقفال الحدود، وإنما بالقوانين الجديدة الحديثة، عبر وضع أسس عملية لاستيعاب ملايين العمال والمفكرين. في الاقتصاد، أمريكا تحتاج إلى تنظيم نفسها واستيراد العمالة المناسبة، تماماً كما قامت به مؤخراً دول كاليابان عبر وضع نظام جديد يأخذ تدريجياً الكثير من الشهرة والتأييد.
ما يفعله الرئيس ترامب حالياً في الاقتصاد يعجب ربما من انتخبه، لكنه لا يرتكز على مذاهب اقتصادية صحيحة. عقود من البحوث الاقتصادية المدهشة التي قام بمعظمها مفكرون أمريكيون توضع جانباً، أو تهمل وتخترع نظريات أخرى معاكسة، ستضر في النهاية بالأمريكيين وبالاقتصاد العالمي.
* أكاديمي لبناني

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق