03 مايو 2025, 3:25 مساءً
في خطوة مدوية ألقت بظلالها على المشهد السياسي الأمريكي، أعلن الرئيس دونالد ترامب قراراً بإقالة مستشاره للأمن القومي مايكل فالتز، ولم يكن هذا القرار وليد اللحظة، بل جاء كذروة لتراكم طويل من الإحباط والتوتر داخل أروقة البيت الأبيض، وتحديداً بين الرئيس ومستشاره السابق، الضابط المخضرم في القوات الخاصة "القبعات الخضراء".
ففي واشنطن، حيث تتشابك خيوط السياسة والقوة، بدا فالتز أكثر ميلاً وحماسة لاستخدام الخيار العسكري ضد إيران مقارنة برئيسه في المكتب البيضاوي، وهو ما شكل أساساً لتباين الرؤى، ورغم أن القشة التي قصمت ظهر العلاقة كانت حادثة غير موفقة في مارس تمثلت في تضمين فالتز لصحفي في محادثة حساسة عبر تطبيق "سيجنال"، إلا أن جذور الخلافات تمتد إلى قضايا استراتيجية أعمق، أبرزها التباين في التعامل مع الملف الإيراني، وتحديداً مدى الانخراط الأمريكي في عمل عسكري محتمل ضده، والذي بلغ ذروته في تنسيق فالتز مع الجانب الإسرائيلي بشكل أثار حفيظة "ترامب" بشدة.
تراكم الخلافات
وتزايدت مشاكل فالتز تدريجياً بمرور الوقت، ووفقاً لما ذكرته مصادر مطلعة لصحيفة "واشنطن بوست"، فقد شعرت رئيسة أركان البيت الأبيض سوزي وايلز بشكل متزايد بأنه غير مناسب للرئيس وشخصيته وطريقة عمله، وكانت الخلافات مبكرة في الإدارة، وتتعلق بنقاط خلاف جوهرية في السياسة الخارجية.
وحادثة تطبيق "سيجنال" كانت بلا شك الشرارة الأخيرة التي عجلت بالرحيل، ولكنها لم تكن السبب الوحيد، فكانت الخلافات حول الملفات الكبرى، لا سيما إيران، حاضرة بقوة وشكلت نقطة احتكاك دائمة بين فالتز وغيره من المسؤولين الكبار الذين يتبنون مقاربات مختلفة، ووصلت إلى مسامع الرئيس.
تنسيق إسرائيلي
ومن بين اللحظات الحاسمة التي فاقمت التوتر، زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المكتب البيضاوي في أوائل فبراير. حينها، بدا مستشار الأمن القومي مايكل فالتز وكأنه يشارك الزعيم الإسرائيلي القناعة بأن الوقت قد حان لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، وهو ما لم يكن يتماشى مع توجهات ترامب الذي يميل إلى مسارات أخرى.
ووفقاً لمصادر قريبة من دوائر صنع القرار، انخرط فالتز في تنسيق مكثف مع الجانب الإسرائيلي بشأن الخيارات العسكرية المحتملة ضد إيران قبيل اللقاء الذي جمع نتنياهو بالرئيس ترامب، وبدا الأمر وكأن هناك محاولة لتوجيه السياسة الأمريكية في اتجاه لم يكن الرئيس مرتاحاً له، خاصة وأن ترامب كان يرى أن الفرصة لحل دبلوماسي لم تُستنفد بعد، وهذا التنسيق المستقل، الذي اعتبره البعض تجاوزاً لصلاحيات المستشار ودور الرئيس، وصل إلى ترامب، الذي لم يخفِ استياءه وغضبه منه.
رؤى متضاربة
والنظرة السائدة لدى البعض في الإدارة كانت أن مايكل فالتز كان يسعى بفاعلية إلى ترجيح كفة العمل العسكري في مقاربة السياسة الخارجية، وأنه كان يعمل بتنسيق وثيق ومبالغ فيه مع الجانب الإسرائيلي لتحقيق ذلك.
وتعكس هذه الإقالة أيضاً تحولاً أوسع نطاقاً داخل الإدارة، حيث أصبح ترامب أكثر تركيزاً على اختيار أشخاص موالين له بشكل مباشر ومستعدين لتنفيذ خططه ورؤيته دون تردد، فبعدما اضطر في ولايته الأولى للاعتماد على جمهوريين تقليديين لملء المناصب، يبدو أن هناك الآن جيلاً أصغر داخل الحزب لم يعرف سوى ترامب كقائد، وهم أكثر استعداداً للانصياع لرؤيته.
القرار النهائي
وتزايد شعور كبار موظفي البيت الأبيض بأن مايكل فالتز لم يكن مناسباً للمنصب، وخاصة للعمل مع الرئيس ترامب مباشرة، وكان فالتز بالفعل على "جليد رقيق" حتى قبل حادثة "سيجنال"، حيث حذر بعض مسؤولي البيت الأبيض من احتمالية استبداله مبكراً، وعلى الرغم من الدفاع عن استخدام "سيجنال" كتطبيق معتمد، إلا أن طريقة تعامله مع المحادثات الحساسة عبره كانت على الأرجح العامل الحاسم في إنهاء مهامه، حتى لو ظل في منصبه لأكثر من شهر بعد الكشف عن الحادثة.
ويؤكد مسؤولون أن القرار النهائي بشأن إقالة فالتز اتخذه الرئيس بنفسه، معتمداً بشكل أساسي على حكمه الخاص، وبينما يقدم الأشخاص آراءهم، فإن القرارات الكبرى من هذا النوع تعود له وحده، وعلى الرغم من محاولة البعض التقليل من أهمية الاختلافات السياسية كسبب للإقالة، مشددين على أن فالتز كان ينفذ ما يريده الرئيس في النهاية، إلا أن كواليس الأحداث تشير إلى أن التباين في الرؤى، خاصة حول استخدام القوة وتحديداً في ملفات مثل إيران، كان عاملاً رئيسياً في تقويض موقعه، فهل سيؤدي هذا التغيير إلى سياسة خارجية أكثر انسجاماً مع رؤية ترامب الشخصية، أم أنه سيفتح الباب أمام تحديات جديدة في تنسيق السياسات الأمريكية؟
0 تعليق