"الأيام" ترصد مشاهد جديدة من داخل مراكز توزيع المساعدات - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

 

كتب محمد الجمل:


مازالت مراكز توزيع المُساعدات الأميركية ومحيطها جنوب ووسط قطاع غزة، تشهد مجازر وعمليات قتل يومية، يروح ضحيتها مواطنون مُجوّعون، يقصدونها بهدف جلب قوت أبنائهم.
"الأيام" رصدت مجموعة جديدة من المشاهد من داخل ومحيط تلك المراكز، تظهر بعضاً مما يتعرض له الجوعى من مخاطر، وما يواجههم من صعوبات، منها مشهد تحت عنوان: "رصاص يُمزق أجساد الضحايا"، ومشهد آخر يرصد التسابق للحصول على المساعدات، ومشهد ثالث يوثق تأثير الحر الشديد والسير مسافات طويلة على المجوّعين.

 

رصاص يُمزق أجساد الضحايا
يستهدف الاحتلال طالبي المُساعدات قرب مراكز التوزيع الأميركية في رفح ووسط القطاع بشتى وسائل القتل، ويتعمد قناصة وجنود يعتلون دبابات ورافعات إطلاق النار عليهم، باستخدام بنادق ورشاشات ثقيلة، تطلق رصاصاً متفجراً، وهو ما ظهرت آثاره بشكل واضح على أجساد الضحايا، من خلال تهتك شديد في الأنسجة، وكسور مضاعفة في العظام، إضافة إلى تفجر رؤوس بعض الشهداء.
وقال المواطن أيمن صالح إن شقيقه اعتاد على التوجه إلى مراكز المساعدات الأميركية منذ مدة، وفي يوم غاب ولم يعد إلى المنزل، وبعد رحلة بحث وجدوه في أحد المستشفيات الميدانية، مصاباً بعيار ناري في ساقه، وقد تسببت الرصاصة الثقيلة في تهشم عظمة الساق، وتفتت الأنسجة والأربطة.
وأشار صالح إلى أن الطبيب أخبره بأن شقيقه أصيب برصاصة متفجرة ثقيلة، أدت إلى إحداث أضرار كبيرة في ساقه، يصعب علاجها في غزة في ظل الوضع الراهن، وأنه سيبقى طريح الفراش لفترات طويلة، وربما يعاني من عاهة تلازمه طوال حياته.
ولفت إلى أنه شاهد إلى جانب شقيقه مصابين فتت الرصاص أجسادهم بطريقة وحشية، وبعض الشهداء لا يوجد لهم معالم، بسبب ما أحدثه الرصاص الثقيل من أضرار في رؤوسهم، متسائلاً عن نوعية الرصاص الذي يستخدمه الاحتلال ضد المُجوّعين.
في حين قال الشاب يوسف بركة، إنه أصيب برفقة 4 من أقاربه برصاصة واحدة، موضحاً أنهم احتموا بصخرة صغيرة بسبب إطلاق النار الكثيف على طالبي المساعدات، وفجأة ارتطمت رصاصة بالصخرة وانفجرت وأصابتهم جميعاً بالشظايا، وبيّن أن هذا ليس مجرد رصاص، إنما قذائف صغيرة متفجرة وقاتلة.
وذكر أنه وبينما كان يحتمي خلف الصخرة كان يسمع أصوات انفجار الطلقات في محيطه، ويسمع صراخ المصابين، ويشاهد الموت حوله من كل جانب.
وبيّن بركة أن الرصاص الذي يستهدف طالبي المساعدات عادة يكون له ثلاثة مصادر، الأول الدبابات وهي مزودة برشاشات ثقيلة من عيارات عالية، والثاني عبر رافعات جرى نصبها خصيصاً لاستهداف طالبي المساعدات، وهي أيضاً مزودة ببنادق ورشاشات ثقيلة، وأحياناً يتم استهدافهم بواسطة مُسيّرات مزوّدة برشاشات تقوم بملاحقة المُجوعين.
وكان أطباء من قطاع غزة، أكدوا أنهم يستقبلون كل يوم عشرات الشهداء والجرحى جراء استهداف المجوعين، ويومياً يتعاملون مع حالات حرجة، وأشخاص أصيبوا برصاص ثقيل، وهناك الكثير من حالات البتر جراء استخدام هذا الرصاص.
ووفق آخر الإحصاءات، فقد وصل عدد شهداء المجازر الإسرائيلية بحق المُجوّعين إلى حوالي 516 شهيداً، و3799 مصاباً، و39 مفقوداً.

 

التسابق للحصول على المساعدات
مازالت المُساعدات الأميركية، التي يتم توزيعها في مناطق جنوب ووسط قطاع غزة، تُشكل واحدة من أكبر أدوات ووسائل انتهاك الكرامة الإنسانية، وفق تقييم مؤسسات أممية عدة، حيث يتم اتباع طريقة غير منظمة، ولا تراعي الحد الأدنى من كرامة الناس، بل تسهم في خلق الفوضى، وتساعد على تنامي الصراعات.
ونظراً لترك صناديق قليلة أمام عشرات آلاف الجائعين، يحدث تسابق محموم من أجل الحصول على المساعدات، ومن يسبق يكون له النصيب الأكبر، ليس في الكم فحسب بل في النوع أيضاً.
وقال الشاب عبد الله النجار، إن ما يحدث في مراكز توزيع المساعدات هو عمليات بلطجة حقيقية، وهناك ما يشبه العصابات الإجرامية، تحاول السيطرة على أكبر كم من المساعدات، وبعضهم يأتي بهدف الاستيلاء على المساعدات وبيعها لا من أجل إطعام عائلاتهم.
ووصف النجار ما يحدث داخل المراكز وفي محيطها بالصراعات، القوي يأكل الضعيف، وقد وصل الأمر إلى دفع أشخاص أو ضربهم للاستيلاء على ما يحملونه من مساعدات، وهذا أمر صعب ومحزن، وكلما استمر العمل بهذه الآلية زادت الفوضى، وانتقلت من داخل المراكز إلى مناطق في قلب القطاع.
وأوضح أن غالبية الذين يتوجهون لتلقي المساعدات يحرصون على جلب أنواع معينة منها، خاصة السكر الذي وصل ثمن الكيلوغرام الواحد منه إلى 300 شيكل، إضافة إلى زيت الطعام، ومسحوق الشكولاتة، والبسكويت، وهي سلع تُباع بأسعار عالية، ومن أجل الحصول عليها، يتسابقون ويحاولون الوصول قبل غيرهم، ويفتحون الصناديق وينتقون منها السلع مرتفعة السعر، وهذا يعرضهم للقتل والإصابة، خاصة أن البعض يندفعون تجاه المساعدات قبل موعد فتح المراكز.
من جهته، أكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، أن الشركة الأميركية الإسرائيلية لتوزيع "المساعدات" لا تؤدي دوراً إنسانياً محايداً، بل تعمل ضمن أجندة سياسية خبيثة تستهدف إعادة تشكيل المشهد الإنساني والاجتماعي في قطاع غزة تحت عنوان "المساعدات"، حيث تقوم هذه الشركة بتوزيع المساعدات بصورة انتقائية، غير شفافة، وبآليات خارجة عن التنسيق مع المؤسسات الرسمية أو الشركاء المحليين، وبصورة مخالفة للمبادئ العامة للعمل الإنساني وهي الإنسانية، والحياد، والاستقلالية، وعدم التحيز، ما يؤدي إلى خلق بؤر من الاحتقان المجتمعي، وإثارة الصراعات داخل صفوف المتضررين، وتعميق الشعور بالتمييز والغبن، وهذا السلوك يُعزز من حالة الفوضى الداخلية، ويستخدم الغذاء كسلاح للضغط والابتزاز.

 

الحر يفتك بالمُجوّعين
لا يتوقف خطر التوجّه إلى مراكز المساعدات الأميركية على إطلاق النار، أو هجمات اللصوص والبلطجية فحسب، بل تعدى ذك ليصل إلى مصاعب ومخاطر التعرض لأشعة الشمس، والسير مسافات طويلة، ما يُعرّض الجائعين المنهكين لمخاطر صحية قد تصل إلى حد الوفاة.
ووفق شهادات مواطنين يترددون على مراكز المساعدات الأميركية، فإن العشرات من المجوعين يتعرضون للإغماء، والسقوط أرضاً بشكل يومي، ومنهم من يجلس على جنبات الطرق لعدم قدرته على مواصلة السير، وآخرون ينهكهم العطش والجوع والحر ولا يستطيعون إكمال الطريق، والمشكلة أنه لا يوجد هناك نقاط طبية أو إسعافية، وعادة يتولى شبان تقديم بعض الإسعافات البسيطة للمرهقين عبر رش الماء على رؤوسهم ووجوههم.
وذكر المواطن إسماعيل صبح، أنه توجه مرتين إلى مركز المساعدات الأميركية غرب رفح، وكان يواجه متاعب كثيرة، جراء السير مسافات طويلة، والتعرض لأشعة الشمس، وفي المرة الثالثة تزامن توجهه للمركز مع وقت الظهيرة، وكان الطقس شديد الحرارة، وسار مسافة زادت على 10 كيلو مترات في رحلة الذهاب على قدميه، وخلال رحلة العودة شعر بتعب وإرهاق شديدين، وفقدَ وعيه، وحين استيقظ بعد إسعافه بواسطة مارة، وجد ما جلبه من مساعدات قد سُرق، واضطر للاتصال على أشقائه الذين وصلوا ونقلوه إلى الخيمة وهو في وضع صحي متردٍ.
وأكد صبح أنه توجه لاحقاً إلى طبيب، وأخبره بأنه أصيب بضربة شمس قوية، وبحاجة للراحة، موضحاً أنه مازال في خيمته منذ أسبوع ولم يتعاف، واصفاً رحلة الذهاب والإياب من وإلى مراكز المساعدات الأميركية برحلة الموت والعذاب، فمن ينجو من الرصاص قد لا ينجو من أشعة الشمس ومتاعب الطريق.
وحذر أطباء ومختصون من الإصابة بضربات شمس، وإجهاد حراري، جراء سير المجوّعين مسافات طويلة من دون واقيات من أشعة الشمس، موضحين أن الوضع الصحي المتردي للمجوعين جراء سوء التغذية، يضاعف مخاطر أشعة الشمس، ويزيد من احتمال التعرض لأضرار صحية.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق