عاجل

اليورو والدولار في التجارة العالمية - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

د. رامي كمال النسور*

تُعدّ هيمنة الدولار الأمريكي على التجارة العالمية إرثاً لمؤسسات ما بعد الحرب العالمية الثانية، والقوة الاقتصادية الأمريكية، ونظام مالي قويّ وسريع السيولة. وكان الهدف من إطلاق اليورو عام 1999 كعملة موحدة للاتحاد الأوروبي، جزئياً، هو تحدي هذه الهيمنة، وبعد أكثر من عقدين من الزمن، اكتسب اليورو مكانة دولية مرموقة، لكن هل يُمكن أن يُصبح بديلاً حقيقياً للدولار في التجارة العالمية؟
في الحقيقة لا يزال الدولار الأمريكي العملة الرئيسية في إصدار الفواتير والتسويات وتسعير التجارة العالمية، حيث يُجرى أكثر من 80% من تمويل التجارة الدولية بالدولار، كما تُسعّر السلع الرئيسية، مثل النفط والغاز والمعادن، بالدولار حصرياً تقريباً، ويُهيمن على الأسواق الناشئة، حيث يُنظر إليه غالباً على أنه عملة أكثر أماناً واستقراراً للتجارة. أما اليورو، فقد أصبح ثانية أكثر العملات استخداماً في التجارة الدولية، لا سيما في المعاملات، التي تشمل دولاً أوروبية ومناطق ذات روابط اقتصادية وثيقة مع الاتحاد الأوروبي. ووفقاً للبنك المركزي الأوروبي، يُمثل اليورو نحو 30-35% من فواتير التجارة العالمية، وهي نسبة أقل بكثير من الدولار، ولكنها متقدمة على عملات أخرى مثل الين الياباني أو اليوان الصيني.
من جهة أخرى، تُعدّ منطقة اليورو واحدة من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم، مما يوفر قاعدة طبيعية للتجارة المُقوّمة باليورو، كما يتمتع اليورو بسياسة نقدية مستقرة، حيث يُنظر إلى البنك المركزي الأوروبي (ECB) كمؤسسة موثوقة، تتمتع بصلاحيات واضحة، فيما يتعلق بالتضخم وسجل حافل في استقرار الأسعار. أيضاً لديه انتشار واسع النطاق في أوروبا وخارجها، وتربط العديد من دول أوروبا الشرقية وشمال وغرب إفريقيا عملاتها باليورو، أو تُجري معاملات تجارية كبيرة به.
على الرغم من مزاياه، يواجه اليورو عدة قيود تحدّ من قدرته على منافسة الدولار، بشكل كامل في التجارة العالمية، أول هذه التحديات هو عدم وجود إطار مالي موحد على عكس الولايات المتحدة، تفتقر منطقة اليورو إلى سلطة مالية واحدة، ويُضعف غياب سياسات ضريبية وإنفاقية منسقة الثقة في استقرار اليورو على المدى الطويل، وخاصة خلال الأزمات الاقتصادية.
وثانيها هي أن أسواق رأس المال الأوروبية، لا تزال مجزأة على أسس وطنية، وهذا يحدّ من نطاق وعمق الأدوات المالية المقومة باليورو، ويُقلل السيولة، مقارنةً بأسواق الدولار.
كما تُسعر السلع العالمية الرئيسية، وخاصة النفط، بالدولار. يتطلب تحويل معايير التسعير من الدولار إلى اليورو تغييرات هيكلية عميقة في ممارسات السوق والمؤسسات.
وأخيراً، تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ جيوسياسي أكبر، وتحالفات أمنية تعزز الدور العالمي للدولار. لا تتمتع منطقة اليورو حتى الآن بنفوذ سياسي أو عسكري مماثل لدعم عملة عالمية.
ومع ذلك، ورغم ما جاء أعلاه، فقد شهدنا التطورات الأخيرة والتحولات الاستراتيجية، حيث تُبذل جهود لتعزيز دور اليورو في التجارة، فمن ناحية سعت المفوضية الأوروبية إلى تدويل اليورو، لا سيما في قطاع الطاقة. استكشف بعض الدول - بما في ذلك روسيا والصين ودولة الإمارات والسعودية - أو اعتمدت المزيد من التعاملات التجارية المقومة باليورو وبعملاتها المحلية، لتقليل الاعتماد على الدولار.
كما أصبح الاهتمام المتزايد بالعملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، يُمثل فرصةً أيضاً. قد يُسهّل اليورو الرقمي الناجح عمليات الدفع، عبر الحدود، ويُخفّض تكلفتها، ويُعزّز أمانها، مما يُعزّز جاذبية اليورو في التجارة العالمية.
الشاهد، أن اليورو أصبح لاعباً أساسياً في التجارة العالمية، ومن المُرجّح أن يتنامى دوره، لا سيما في المعاملات التي تشمل أوروبا وشركائها الاقتصاديين. ومع ذلك، فإنّ هيمنة الدولار الراسخة - مدعومةً بعمق السوق، والثقة العالمية، والقوة الجيوسياسية - تجعل من غير المُرجّح حدوث إزاحة كاملة له في المستقبل القريب.
ومع ذلك، يُمكن لليورو أن يكون بديلاً جزئياً أو مُكمّلًا للدولار، لا سيما مع سعي الدول إلى تنويع مخاطر العملات، وتقليل الاعتماد على البنية التحتية المالية الأمريكية. على المدى الطويل، ومع تعميق التكامل المالي وتوطيد التماسك السياسي، يُمكن لليورو أن يلعب دوراً أكبر، ولكنه تحوّل تدريجي، وليس سريع.
* مستشار في الأسواق المالية والاستدامة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق