كما تعلمون فإن العقيدة الدينية تنبع من ضمير الفرد، حيث إنها علاقة بين الإنسان وربه، تتفاوت بين شخص وآخر من حيث المذهب، والممارسة، ودرجة التدين. الدين منظومة إيمانية روحية، لا تُقاس بالمظهر، ولا تُفرض بالقانون، ولا يُحتكر تفسيرها من طرف دون آخر، منبعها القلب، وغايتها الإخلاص، ومساحتها الضمير.
بينما العقيدة الوطنية وهي ركيزة بناء الدولة، فهي التزام جماعي ينبثق من الشعور بالمصير المشترك، والانتماء إلى كيان سياسي واحد «دولة». الوطنية لا تسأل عن مذهبك، بل عن ولائك، ولا تُقاس بعدد الركعات، بل بمدى احترامك للقانون، واستعدادك للتضحية من أجل وحدة وطنك واستقراره.
وإذا كان الاختلاف في الدين مقبولاً فطرياً وإنسانياً، فإن الاختلاف في الولاء الوطني يُعد خللاً في البناء الجماعي. وهناك تجارب واقعية تؤكد خطورة الخلط بينهما واعتبارهما واحدا أو تقديم العقيدة الدينية على الوطن:
• في لبنان، حين تحوّلت الطوائف إلى حصص سياسية، واحتكر كل مذهب تمثيل جزء من الوطن، ضاعت الدولة، وتفككت الهوية الجامعة، وتحول الوطن إلى «تحالف طوائف» بدلاً من «وحدة وطن».
أخبار ذات صلة
وهنا تبرز الإشكالية الأخطر: حين تُختزل العقيدة الوطنية في شكل ديني واحد، فإنها تتحول إلى أداة إقصاء لا أداة وحدة. بل يُصبح كل مختلف في شعائره، موضع شك في ولائه. وهذا لا يهدد فقط التعددية، بل ينسف فكرة الوطن من أساسها.
«فالمسجد والكنيسة والمعبد... أماكن إيمان. لكن الوطن هو البيت الكبير الذي يحتضنها جميعاً».
إن الأوطان لا تُبنى بالشعارات الدينية، بل بعقود مدنية تحترم الدين دون أن تُختزل فيه. الدين يبقى في القلب، والوطن في المسؤولية المشتركة. فلا يجوز أن يُستخدم أحدهما لابتزاز الآخر.
حين نخلط بين العقيدة الدينية والعقيدة الوطنية، فإننا لا نخدم الدين، ولا نحمي الوطن، بل نفتح الباب لفتنة مستترة باسم الطهر، وتفكك خفي باسم الغيرة. إن حماية الدين تتم بتجريده من الاستغلال السياسي، وحماية الوطن تبدأ حين نُدرك أن وحدتنا لا تقوم على التشابه، بل على الاتفاق في المصير رغم اختلاف المسارات.
0 تعليق