هل هناك ركود في الطريق؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

د. محمد الصياد *

في 2 إبريل/ نيسان 2025، صُدمت الأسواق بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فرض رسوم جمركية إضافية متفاوتة (تبدأ ب 10%) على نحو 90 دولة، بما فيها الصين والاتحاد الأوروبي. وبسبب ردة فعل الأسواق السلبية على هذا القرار، تراجع ترامب يوم 9 إبريل وعلق فرض الرسوم لمدة 90 يوماً لكن مع إبقاء حدها الأدنى (10%)، وتبادل حرب الرسوم مع الصين حتى تخطت سقف 100%، قبل أن يعود ويتفاوض مع الصين في جنيف ويتوصل الطرفان إلى اتفاق بأن تخفض أمريكا رسومها على الصين إلى 30% وتخفضها الصين إلى 10%. قرار الرئيس ترامب تعليق معظم الرسوم الجمركية المتبادلة لمدة 90 يوماً في 9 إبريل، خفف من أسوأ ما يخشاه المستثمرون من مخاوف، إلا أن الضرر الذي لحق بثقة الشركات والمستهلكين، سوف يبقى إلى حين. تماماً مثلما عادت مخاطر الركود العالمي إلى قائمة مخاوف الأسواق. بهذا الصدد، يؤكد جاي ميلر، كبير استراتيجيي الأسواق في مجموعة زيوريخ للتأمين بأن «مخاطر الركود ارتفعت بشكل ملحوظ حتى مع إبرام بعض الصفقات بشأن الرسوم الجمركية، وإن خطر ركود اقتصادي في الولايات المتحدة متقارب للغاية، بين حدوثه وعدمه». طبعاً هذا الرأي كان قبل الاتفاق الصيني الأمريكي على نزع فتيل حرب الرسوم المتبادلة. وهو ما أزاح ثقلاً كبيراً من على كاهل أهم عنصر من عناصر الاقتصاد العالمي، ونقصد التجارة الدولية.
الإعلام الاقتصادي السائد فسر بطريقته «تقلص معدة» الاقتصاد الأمريكي في الربع الأول من العام (2025)، وأرقام الوظائف الأمريكية خلاله (كأحد المؤشرات القياسية للتعافي أو الركود)، فاعتبر أنها إشارة تنم عن اقتصاد مرن، مع أن مؤشرات ثقة الأعمال والمستهلكين، تدهورت خلال الفترة المذكورة، وهو ما دفع البعض للقول بأن ضعف النمو سيتحقق قريباً. فقد انخفضت ثقة المستهلك الأمريكي في إبريل الماضي إلى أدنى مستوى لها في خمس سنوات تقريباً. علماً بأن إنفاق المستهلك يُعد عاملاً أساسياً لأنه يُمثل أكثر من ثلثي النشاط الاقتصادي الأمريكي. تنسب رويترز لاقتصاديين استطلعت آراءهم، تحذيرهم من وجود مخاطر عالية لحدوث ركود هذا العام، بعد أن كانوا توقعوا نمواً قوياً قبل ثلاثة أشهر فقط. أيضاً، بنك باركليز الاستثماري البريطاني، يزعم أن الصورة تُشير إلى تباطؤ عالمي ملحوظ، مصحوب بركود طفيف في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.
هذا يعني أن أمر الركود ليس محسوماً، خصوصاً إذا أخذنا بالاعتبار، أن هذه الآراء قيلت تحت تأثير الأوضاع والأجواء السلبية التي أشاعتها قرارات الرئيس ترامب الحمائية. ويعني أيضاً، وترتيباً، أن هذه الآراء سوف تتغير في الفصلين الثالث والرابع من هذا العام في ضوء بدء انقشاع موجة الحائط الجمركي الذي شيدته الإدارة الأمريكية، ثم بدأت بالتراجع عنه رويداً رويداً، بما في ذلك حائط الرسوم الجمركية الأمريكي الصيني المزدوج.
وماذا عن انخفاض أسعار النفط بنحو 20% منذ بداية العام، لتصل إلى 65 دولاراً للبرميل (حتى 18 مايو 2025)، كما لو كان هذا السيناريو يعيد إنتاج سيناريو عام 2020، بداية كابوس كوفيد-19؟ هذا الانخفاض يعكس هو الآخر، تقهقر زخم الطلب الكلي على السلع الأساسية، مثل النفط، الذي يشكل دينامو قطاع الطاقة، وترتيباً، الحركة الاقتصادية العالمية الكلية. صحيح أن هذا الانخفاض الكبير يعزى جزئياً إلى الانتقال الجزئي والحذر ل«أوبك بلس» من سياسة «حبس» الإنتاج إلى سياسة إرخاء سقف الإنتاج، لكنه يعكس أيضاً التوقعات المتزايدة لدى أوساط المستثمرين والمتعاملين مع الأسواق ومحلليها الاقتصاديين، القائلة بأنه يعكس في داخله، الصورة الأشمل لضعف الطلب وتباطؤ النمو العالمي، وتراجع جاذبية السندات الأمريكية والقلق بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية. لذلك يزداد الضغط السياسي والإعلامي على البنوك المركزية للاستجابة بسرعة لهذه الإشارات الصفراء وخفض أسعار الفائدة. الصين خفضت أسعار الفائدة يوم الأربعاء 7 مايو 2025 بما يسمح للبنوك بزيادة الإقراض وضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد، للمساعدة على تخفيف وطأة الحرب التجارية. وحين يكثف الإعلام حديثه عما يسميه توقعات المستثمرين والمتداولين والمحللين بقرب قيام البنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة، فهذا يعني أن قطاعات الأعمال تمارس نفوذها من خلال الإعلام للضغط على المستوى السياسي لخفض أسعار الفائدة. فالمتداولون «يتوقعون» تخفيضات من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بنحو 80 نقطة أساس بحلول ديسمبر 2025، و115 نقطة أساس بحلول منتصف عام 2026. ورغم تراجع سقف هذه «التوقعات»، فإن الاحتياطي الفيدرالي أبقى يوم الأربعاء 7 مايو 2025 على أسعار الفائدة ثابتة دون تغيير، معللاً قراره بأن مخاطر ارتفاع التضخم والبطالة قد ارتفعت. وهل يُعتد بانتعاش أسواق الأسهم في نيويورك وطوكيو وبرلين كمؤشر على تلاشي مخاوف الركود؟ ليس تماماً، فأرباح الشركات تقول غير ذلك، وهو ما دفع كثيراً منها (شركة إلكترولوكس السويدية، وشركة فولفو للسيارات، وشركة لوجيتك لصناعة أجهزة الكمبيوتر، وشركة دياجيو العملاقة للمشروبات)، لخفض توقعاتها الربحية بسبب حالة عدم اليقين.
* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق