منذ أيام طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي المضي قدماً في إعداد الموقع العالمي لإذاعة القرآن الكريم، وذلك من أجل حفظ تراث القراء والمبتهلين، وحماية البرامج العديدة التي تعاقب بثها في إذاعة القرآن الكريم منذ تأسيسها عام 1964.
هذه الدعوة لاقت ارتياحاً كبيراً خاصة أن تطوير هذه الإذاعة مطلب كل غيور على دينه، باعتبار أن تلك الإذاعة هى اللسان الناطق المتخصص بالقرآن الكريم وعلومه والسنة النبوية المطهرة وعلومها وأيضاً ما قدمته الحضارة الإسلامية بجميع علومها إلى الإنسانية كلها.
ولعله لا يوجد وصف لإذاعة القرآن الكريم أفضل من رأي الدكتور أحمد عمر هاشم الداعية الإسلامي الكبير والذي وصف إذاعة القرآن الكريم بأنها (جامعة إسلامية) تبث الثقافة الإسلامية الأصيلة الوسطية الصحيحة، من خلال إذاعتها لكتاب الله تعالى مرتلاً ومجوداً ومفسراً.
قبل ٦١ عاماً كانت المرة الأولى التي تنطلق فيها موجة إرسال إذاعة القرآن الكريم من القاهرة بوصفها أول إذاعة متخصصة في إذاعة القرآن على مدار الساعة، قبلها لم يكن يعرف العالم الإسلامي قراءة القرآن إلا بصورة مباشرة في المساجد والمناسبات الدينية والحفلات الخاصة. وكانت قراءة القرآن والإنشاد الديني من خلال طقوس تجمعات المصريين.
وفي عام 1964 تم افتتاح إذاعة القرآن الكريم المصرية، وتعددت التفسيرات والآراء حول أسباب إنشاء تلك الإذاعة.
السبب الأول يرى أنصاره أن كلمة في طبعة فاخرة ومذهبة من المصحف الشريف كانت تباع بثمن زهيد في أنحاء مصر في ذلك التوقيت بداية الستينيات، وكان سبب سرعة انتشار النسخة المذهبة هو رخص ثمنها، وأحياناً توزيعها المجاني، بعدها تم اكتشاف تحريف لبعض آيات القرآن الكريم في هذه النسخ، وكان تحريفها خفياً على نحو لا يثير الشكوك، ففي سورة آل عمران تم تحريف الآية رقم 85 "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" تم تحريف الآية وطبعها دون كلمة "غير"، فأصبح المعنى مختلفًا تمامًا. تم تدارك الأمر وسحبت النسخة من الأسواق، كان البديل هو طبع المصحف المرتل للشيخ محمود خليل الحصري على أسطوانات، وتوزيعها في كافة أرجاء العالم الإسلامي، في أول جمع صوتي للقرآن الكريم، باعتبار أن تلك الوسيلة هي الأكثر انتشاراً في ذلك الحين، لكنها لم تكن كافية.
أما التفسير الثاني فيرى أصحابه أن اتهام عبد الناصر بأنه نظام اشتراكى، وضد الإسلام وكانت هناك محاولات دائمة من نظام عبد الناصر على تأكيد الهوية والبعد الإسلامى فى هذه الفترة، في ظل الصراع بين عبد الناصر والإخوان فى تلك الفترة، وبالتالى اتهام البعض لعبد الناصر بمعاداته للإسلام، ولكنه أراد تأكيد الهوية الإسلامية لنظامه من خلال بعض الأمور التى كانت واضحة من تطوير الأزهر، وإنشاء إذاعة القرآن الكريم.
التفسير الثالث لأسباب النشأة جاء على لسان عبد القادر حاتم وزير الإرشاد في عهد الرئيس عبد الناصر الذى ذكر فى أحد البرامج على إذاعة القرآن الكريم أنه نمى إلى علم بعض الأجهزة الأمنية فى مصر أن هناك نشاطاً لبعض المهندسين من السوفييت لتلقين بعض الأفكار الإلحادية لمهندسين وعمال فى منطقة العمل بالسد العالى منذ بدايات الستينيات.
اينما كانت الأسباب إلا أنه بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر حينها تم البث الإذاعي للقرآن الكريم على مدار 14 ساعة يومياً على الموجتين القصيرة والمتوسطة، وكانت تلك الوسيلة هي الأفضل في الحفاظ على القرآن الكريم من التحريف، حيث كان بث الإذاعة يمتد إلى الملايين من المسلمين في آسيا وشمال أفريقيا.
مصدر في الإذاعة المصرية أكد لـ"الأسبوع" أنه لا توجد الآن جهة علمية معتمدة لقياس بحوث الاستماع في الإذاعة كلها وكان آخرها إحدي الشركات التي منعت من مصر لشبه المجاملة، ثم كانت هناك محاولات من مركز بصيرة لعمل هذه البحوث ولم تستمر، إلا أننا استطعنا أن نجد تقريرًا منشورًا في ٢٠١٥م، يكشف عن حجم الاستماع الرهيب لإذاعة القرآن الكريم والذي يصل إلى 84.2% من حجم متابعي شبكات الإذاعة المصرية الذين يتابعون شبكة القرآن الكريم مقابل 15.8% لا يتابعونها وهو ما يؤكد زيادة حجم الاستماع نظرًا لتعدد وسائل الاستماع من أجهزة الاستقبال الفضائي والهواتف الخلوية وشبكة المعلومات الإنترنت وغيرها، واتضح أن 57% يتابعونها بانتظام من حجم الاستماع للإذاعة المصرية، فيما تختلف الدوافع للاستماع إلى الإذاعة الأولى في الشرق الأوسط والوحيدة المتخصصة في إذاعة آيات القرآن الكريم.
وأكد التقرير أن 95.6% من المستمعين يتابعونها من أجل الاستماع إلى آيات الكتاب الحكيم وتظل التلاوات القرآنية هي القيمة الرئيسية في هذه الإذاعة من المصاحف بكافة أنواعها تجويدًا وترتيلاً كما تقوم قناة المجد بعرضها، ورغم أن 74% يستمعون إلى البرامج لكن ليس للمواد السياسية بحسب التقرير- إنما الهدف هو معرفة الأمور الدينية في حين يستمع 55% إلى برامج تفسير القرآن الكريم وحدها.
وهكذا يؤكد المستمعون من خلال هذا التقرير أن الدافع الرئيسي من الاستماع هو المصاحف المرتلة ثم الثقافة الدينية بصفة عامة.
أما عن أفضل فترات الاستماع فيشير التقرير إلى إقبال المستمعين على هذه الإذاعة في الفترة الصباحية، والحقيقة كما أظهرها جدول مواعيد الاستماع أن نسبة الاستماع مستمرة على مدى اليوم، وأن أعلى نسبة استماع وهي 77.8% تبدأ من السابعة إلى العاشرة صباحًا، ثم تنخفض النسبة لـ42% من العاشرة إلى الواحدة ظهرًا، ثم تنخفض ما بين35 و39 و30 و37 و33% من الواحدة ظهرًا إلى الواحدة صباحًا.
حتى وإن كان هذا التقرير يرجع إلى سنوات سابقة إلا أنه يمكن أن يستدل به على تأثير إذاعة القرآن الكريم.
بقي القول أنه على الرغم من المحاولات المستمرة للتطوير إلا أن هناك عدة عقبات تحول دون إتمام تأدية الإذاعة رسالتها، من هذه العقبات، وأهمها ضعف إرسال الإذاعة سواء فى الداخل والخارج، مما يترتب عليه عدم وصول برامج الشبكة إلى قطاع كبير من المسلمين.
ومن هذه العقبات التى تحول دون تطوير الشبكة كما رصدها أحد المذيعين السابقين في إذاعة القرآن الكريم، قلة المخصصات المالية لإنتاج البرامج، الإذاعية، فمثلاً لا يوجد إنتاج دراما دينية إذاعية تسهم فى تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والتعريف بالشخصيات الإسلامية التى لها دور رائد فى الحضارة الإسلامية والرد على الشائعات، كما يترتب على قلة المخصصات المالية، عدم بث البرامج باللغات الأجنبية المختلفة، ليستفيد بعلومها المسلمون فى الداخل والخارج من الناطقين بغير اللغة العربية، من خلال فترة مخصصة ولو ساعة يومياً لبث تلك البرامج للتعريف بصورة الإسلام الصحيحة ومساعدة هؤلاء المسلمين فى التعرف على قضاياهم والعمل على حلها، وفى الوقت نفسه الرد على استفساراتهم التى تتعلق بأمور دينهم، كما أن استوديو إذاعة القرآن الكريم سواء التسجيلى، أو الذى يبث منه على الهواء مباشرة، بحاجة إلى تطوير شامل حتى تكون الخدمة الصوتية على أعلى مستوى بما يليق بمكانة إذاعة القرآن الكريم، إلا أنه بالنسبة للمحتوى المقدم، وعلى رأسه البرامج الحوارية التى تتم فى هذه الإذاعة، فيجب أن تناقش هذه الحوارات القضايا الدينية الراهنة، التى تشغل بال الرأى العام مثل فوضى الفتاوى، وكيفية التصدى لها وخاصة أن الأزهر الشريف ودار الإفتاء الأسبوع الماضي استضافت مؤتمرًا عالميًّا حول الفتوى في تقدم والذكاء الاصطناعى وكيفية صناعة المفتي ومواجهة الهجوم على كتاب الله تعالى والسنة المطهرة والتطاول على العلماء والإرهاب والتكفير والتركيز على الظواهر السلبية فى المجتمع مثل الرشوة والمحسوبية والواسطة والتسول وانتشار معدلات الطلاق.
ويرى المتخصصون ضرورة أن يكون اختيار القارئ بإذاعة القرآن الكريم قائماً على أسس وقواعد منها الدراسة لأحكام التلاوة والتجويد سواء لقراءة حفص أو لغيرها من القراءات المتواترة، بحيث يكون القارئ دارساً لتلك القواعد على يد شيخ معتمد من مشيخة عموم المقارئ. ولا يكفى الاختيار على أساس حسن وجمال الصوت فقط.
أخبار متعلقة :