أحمد مستجير.. الأديب المتنكر في صورة عالم - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

أحمد مستجير ــ شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته للعام 2025 ــ ويعتبر أبو علم الهندسة الوراثية في مصر ولد في ديسمير 1934 وتوفي في أغسطس 2006، وهو واحد من أهم علماء الهندسة الوراثية في مصر والعالم العربي.

 

تنوعت أعماله ما بين الترجمة والتأليف، بل وخاض تجربة قلما تكررت، ألا وهي كتابة المعنون “بحور الشعر.. الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي”، بالإضافة إلى ديوان شعري بعنوان “هل ترجع أسراب البط؟”.

أحمد مستجير، حقق العديد من الإنجازات والاكتشافات التي خدمت بلاده وأمنه، آمن بدور العلم في إسعاد الفقراء، وحل المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتهم بالعلم الذي امتلك ناصيته، وهو أيضا الأديب والشاعر ذو الحس المرهف والأسلوب المميز، صاحب الدواوين والكتب التي وضع فيها عصارة فكره وخلاصة جهده في مجال الأدب والشعر، وهو أيضا الإنسان صاحب المواقف الوطنية والإنسانية المشرفة الذي عشق بيئته وانطلق منها إلى فضاء العلم.

وكان “مستجير” عضوا في أكثر من 12 هيئة وجمعية علمية وثقافية من بينها مجمع ــ الخالدين ــ مجمع اللغة العربية، الجمعية المصرية لعلوم الإنتاج الحيواني، الجمعية المصرية للعلوم الوراثية، اتحاد الكتاب المصريين، لجنة المعجم العربي الزراعي. وغيرها العديد.

 

نال الدكتور أحمد مستجير، العديد من الجوائز المحلية والدولية، من بينها، جائزة الدولة التشجيعية للعلوم الزراعية 1974 - وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1974 - جائزة أفضل ترجمة علمية 1993 - جائزة الإبداع العلمي 1995 - جائزة أفضل كتاب علمي لعام 1996 - جائزة الدولة التقديرية للعلوم الزراعية لعام 1996 - وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى (للمرة الثانية) 1996 - جائزة أفضل كتاب لعام 1999 - جائزة أفضل عمل ثقافي لعام 2000 - جائزة مبارك للعلوم التكنولوجية المتقدمة لعام 2001 - جائزة أفضل كتاب لعام 2003م.

أحمد مستجير التجسيد الحي على العطاء بلا حدود

وفي تقديمه للقاء كان قد أجراه معه خلال عمله الصحفي، يقول الروائي خيري شلبي عن كواليس لقاءه بالدكتور أحمد مستجير: قد يتوجس من ازدواج المعنى في ذهن مستمعيه فيعيد الشرح بإفاضة جاذبة وبالتفصيل ولا يهدأ إلا إذا تأكد أنه “خلص ذمته”، إنه لم يضلل صبيا غرا، لم يجرحه بكلمة ولو غير مقصودة تشعر بالغباء أوالتخلف، بل الحق أنه يرفع قدر من يحدثه، يجدد له ذهنه، يرتب أفكاره، يشحنه بطاقة من المقاومة والرغبة في التطور.

هكذا كان الدكتور أحمد مستجير مصطفى، معي في لقاء شرفت به منذ ما يزيد عن اثنتي عشر عاما، هو المعلم وأنا الصبي هو القطب وأنا التوصيلة الكهربائية التي ستقتبس منه ضوءا نصوغه في مقال عن هذا العالم الفذ.

 

ويضيف “شلبي”: أحمد مستجير مصطفى كان أشبه بمعلم السباحة ينزل بي إلى الأعماق شيئا فشيئا ثم يصعد بي إلى السطح للتزود بالهواء، هو تجسيد حي للقدرة على العطاء بغير حدود، والتفاني في العمل بذمة وضمير، وتحليل اللقمة له ولأجيال قادمة، وأحمد مستجير كنز بشري يضاهي أثمن كنوز الفراعنة الباقية.

هو إذن ليس محظوظا إذ كان الوحيد في عدة أجيال، الذي حصل على جائزة الدولة التشجيعية وجائزة الدولة التقديرية، وجائزة مبارك.

ويلفت "شلبي" عن لقاءه بـ “أحمد مستجير”: أول مفاجأة أذهلتني في ذلك اللقاء معلومة أن الدكتور أحمد مستجير كان عميدا لكلية الزراعة، إلا أن تلك المفاجأة تبددت حين تبين لي بعد قليل أن هذه الشخصية قد تكاملت فيها العلوم والآداب فإذا هو صورة عصرية من أجداده أبو بكر الرازي، وابن الهيثم، وابن النفيس، والتوحيدي، والكندي، وابن رشد والرئيس ابن سينا.

أولئك الأجداد الأفذاذ كان لهم في نهاية القرن التاسع عشر حتى أواخر القرن العشرين في مصر أبناء من صلبهم يحملون خصائصهم وعبقرياتهم، حيث لا ينفصل العلم عن الأدب، تلاميذ أولئك الرجال من المعاصرين والمحدثين كثيرون جمعوا بين النبوغ في العلم والموهبة الأدبية ومن بينهم أحمد مستجير، والدكتور العالم أحمد زكي، والجغرافي محمد عوض محمد الذي ترجم روائع الكلاسيكيات الأدبية الألمانية، والجغرافي سليمان حزين، والجغرافي جمال حمدان، وأخيرا العالم الأديب أحمد مستجير مصطفي أستاذ الهندسة الوراثية والشاعر والقاص والمترجم.

أحمد مستجير مترجم ببصمة خاصة

قدم الدكتور أحمد مستجير إلى المكتبة العربية العشرات من الترجمات للكتب العلمية، فلم يكن “مستجير” مترجما محترفا يكتسب من الترجمة، لا، ولا هو يترجم ما يلقي في نفسه هوى شخصيا يخاطب ميوله الخاصة.. إنما أحمد مستجير لا يترجم إلا الكتاب الثمين الذي يشعر أن البلاد بأوساطها العلمية الراهنة تحتاجه في هذا الوقت بالذات. مثال ذلك كتاب “الجينوم البشري وقضاياه العلمية والاجتماعية”، وهو كتاب حرره كل من دانييل كيفلس، وليروي هود، وشارك في دراساته نخبة من علماء العالم المتخصصين في الهندسة الوراثية والجينوم البشري.

وفي ختام هذا الكتاب ــ الجينوم البشري وقضاياه ــ يقول الدكتور أحمد مستجير: ليس من الضروري أن تتفق آراء أي منا مع كل ما جاء في فصول هذا الكتاب، لم يكن هدفنا من إصدار هدا الكتاب هو تقديم وجهة نظر واحدة عن مشروع الطاقم الوراثي البشري وتضميناته، وإنما حفز التفكير في مختلف القضايا التي يثيرها، وفيما قد يعتنقه مختلف الناس من أفكار وآراء متباينة حولها.

إسهامات مستجير في الهندسة الوراثية من أجل الفقراء

ساهم “مستجير” في أكثر من ميدان علمي وأدبي وإنساني.. حيث كثف جهوده في استنباط سلالات لأنواع جديدة من القمح المقاوم للملوحة، ويمكن زراعته في الصحاري وأن يروي بمياه البحر، وهي التقنية التي نفذتها الهند.

بدأت أبحاث مستجير على سلالات القمح المقاوم لدرجات الحرارة العالية ويمكن ريه بمياه البحر المالحة، في العام 1989، وهو ما عرف بمشروع زراعة الفقراء. وكذلك في مجال الإنتاج الحيواني، أسس “مركز علوم الوراثة”، والذي أصبح من خلاله رائدا لعلم الهندسة الوراثية في مصر.

أحمد مستجير.. عالم غواه شعره

وفي برنامجه سيرة العلم، يذكر الباحث دكتور عبد الباري محمد برنس حسين، أستاذ الكيمياء الحيوية، ومدير مركز بحوث البيوتكنولوجي في جامعة القاهرة، والذي تتلمذ على يد الدكتور أحمد مستجير في كلية الطب البيطري بجامعة القاهرة، وقد أثر الدكتور مستجير في تلاميذه وكيف كان مثابرا في التعليم وله مدرسة علمية كبيرة جدا في كل الكليات التي اهتمت بعلم التكنولوجيا الحيوية.

كان للدكتور مستجير الكثير من الأسماء وعنوانا للعلم في الصحف والجرائد اليومية في مصر، وعندما كنا طلابا كنا نتخذ من أساتذتنا الرمز والمثل في حب العلم والاجتهاد، ومن أسماء الدكتور مستجير: “عالم غواه شعره”، “الأديب المتنكر في صورة عالم”، لأنه جمع ما بين العلم والأدب.

كان لمولد مستجير في الدقهلية والتي تعد من أكبر المحافظات المصرية، ولها دور كبير في العملية الإنتاجية خاصة في الدواجن. فكان يرى أن التكنولوجيا الحيوية هي أحد الوسائل لإسعاد الفقراء، وكان منظوره أن التكنولوجيا الحيوية لإطعام الجوعى وعلاج المريض، وكساء العرايا، فكان يرى دائما أن الحل الأساسي لسد الفجوة الغذائية في مصر ستأتي من خلال الهندسة الوراثية.

بدأ مشروعه من أجل الفقراء لسد الفجوة الغذائية وسمي بـ “زراعة الفقراء”، وهو من العلماء والشخصيات العالمية البارزة التي بدأت مبكرا في منظومة الأمم المتحدة كحلقة وصل بين مصر والباحثين على المستوى العالمي، في إطلاق الإنذارات الأولى لمشكلات الجفاف وزيادة نسب الملوحة في الشواطئ المصرية، ومشكلة التصحر بوجه عام.

مطالب مستجير بزراعة الساحل الشمالي

ويلفت “عبد الباري” إلى أن مستجير كان يطالب بزراعة الساحل الشمالي لمصر من خلال الأمطار التي تسقط عليه خلال فترات موسمية، وذلك من خلال ما قدمه من أبحاث استطاع من خلالها إنتاج أنواع من بذور القمح لها القدرة على تحمل الملوحة العالية والجفاف لفترات طويلة.

ويشدد “عبد الباري”: كان الدكتور مستجير يعرف نفسه قائلا: “أنا في الحق موزع بين شاطئين كلاهما خصب وثري، أجلس على شاطئ واستعذب التأمل في الآخر، وأعرف أن الفن أنا، والعلم نحن، ذبت في الــ نحن وأحن إلى الأنا، وأعرف أن الفن هو القلق، وأن العلم هو الطمأنينة، فأنا مطمئن أرنو إلى القلق”.

لمحات إنسانية للدكتور أحمد مستجير

بين أضابير مجمع الخالدين ــ اللغة العربية ــ شهادة للدكتور محمد حسن عبد العزيز، عضو المجمع، والذي زامل مستجير يذكر فيها: "معرفتي بالدكتور أحمد مستجير قديمة العهد ترجع إلى ما يزيد على عقدين من الزمان كنت ألتقي به أحيانًا في دار العلوم، فقد كان حريصًا على لقاء أساتذتها والحديث معهم عن تجربته الشعرية ونظريته في العروض. وبهرتني شخصيته الفريدة الودود عالمًا وأديبًا، ثم صاحبته – وقد كان وقتها عميدًا لكلية الزراعة وكنت وكيلًا لدار العلوم – في مؤتمر لتوحيد المصطلحات العلمية عقد في دمشق برعاية الجامعة العربية ومجمع دمشق، فكان خير رفيق.

وكانت له مكانة عالية بين أساتذة الجامعات السورية، فقد كان كثير منهم من تلامذته، بل كان رئيس الوزراء آنذاك تلميذًا له أيضًا.. وفي أثناء هذه الزيارة اكتشفت عوالمه الثرية، عالمه العلمي الخصيب في الوراثة وكيف زاد البحث العلمي في التنمية الزراعية والحيوانية، وكيف قرَّب أصول هذا العلم وفروعه لطلبته من الباحثين ولغيرهم من عامة الناس، وعالمه الأدبي بشعره الرقيق وبترجماته الأدبية البديعة، قرأت بعض مترجماته فوجدتني أمام أديب صناع بلغته التي تذكرنا في عذوبتها وتدفقها مع عمق في النظرة ورهافة في الحس يذكرنا بصاحب الجائزتين الدكتور محمد كامل حسين.

أما عالمه الإنساني فرحيب، يطالعك دائمًا بابتسامة رقيقة، وبحديث عذب، وبتواضع جمٍّ، وودادة ظاهرة فكأنه صديق لك منذ عهد بعيد. وازداد اقترابي منه بلقاءات كنا نعقدها في بيته العامر القريب من مسكني، وبنادي الصيد حيث كان يشاركنا فيها الأديب الحبيب لكلينا الأستاذ محمد مستجاب، وبهذه اللقاءات تقاربت أفكارنا في السياسة وفي العلم وفي الأدب.

وكان له معي موقف طريف، إذ اقترضت منه عشرين دولارًا ونحن نتسوق في دمشق، وعدنا إلى الفندق، وقدمت إليه العشرين دولارًا فأبى أن يستردها. وكان رده طريفًا حقًّا، قال إني أحب أن يكون بيني وبينك هذا السبب.. وليكون مفتاحًا للحديث، وما زال حتى اليوم يدور بيننا هذا الحديث اللطيف، أعرض عليه القرض وألحُّ في العرض، وهو يأبى ويلح في الإباء. وبعد فقد كتبت هذا التعليق وأنا أراجع ترجمته في كتابنا هذا منذ أسبوع وأنا اليوم في 16/8/2006 يعصرني الألم ويعصف بي الحزن على ما حملته الأخبار من النمسا بوفاة الصديق العزيز أحمد مستجير بعد جلطة شديدة بالمخ وهو يشاهد المجازر الوحشية والدمار الشنيع الذي ارتكبته إسرائيل في لبنان وفلسطين.. لقد خسر العالم العربي عالمًا عالميًّا جليلًا وأديبًا مبدعًا ووطنيًّا مخلصًا لوطنه ولعروبته، إنسانًا نادرًا بأعلى مزايا الإنسانية وخسرت أنا صديقًا أعزَّ سأظل مدينًا له إلى أن ألقاه في جوار الله.

أخبار ذات صلة

0 تعليق