كتب يوسف الشايب:
نشر الفنان المصري الكبير الراحل حلمي التوني، منتصف شباط الماضي، على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي لوحة رسمها في العام 2010 لامرأة فلسطينية تزّين شال رأسها بمفتاح العودة وشجرة صبّار، مرفقاً بتعليق مفاده: "عملٌ أفتحر به.. ملخص القضية الآن وغداً، ولكل الناس".
والتوني الذي رحل، أول من أمس، عن تسعين عاماً، له مدونة بصرية هائلة كانت فلسطين محورها، جلّها لوحات لنساء فلسطينيات في تعبيرات مختلفة، وذات دلالات متعددة، مفتوحة أحياناً على التأويل، رغم الإحالات الواضحة إلى رموز مرتبطة بالقضية الأم، كما كان يراها، وبعدالتها، هو الذي بقي مهجوساً بها منذ سبعينيات القرن الماضي، وما قبل، حتى آخر أيامه.
ومن بين أبرز لوحاته عن فلسطين تلك التي حملت عنوان "فلسطين في القلب"، وأنجزها في العام 1977، وتظهر فيها فلسطينية تحمل سلة برتقال في حضنها، و"أطفال الحجارة"، وغيرها من التي حرص على استعادتها عبر صفحته في "فيسبوك" منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، وامتدت إلى الضفة، مع تعليقات ينتقد فيها صمت العالم وانحيازه للإجرام، وكيله بمكيالين أو أكثر.
والتوني الذي تمت تنحيته عن الرسم في الصحافة المصرية في العام 1973، بل والتضييق عليه، غادر إلى بيروت، حيث بدأ العمل على تصميم أغلفة كتب "المؤسّسة العربية للدراسات والنشر" بطلب من مؤسّسها الكاتب والشهيد عبد الوهاب الكيالي، ولاحقاً تصميم أغلفة إصدارات "دار الفتى العربي" التي أسسها د. نبيل شعث، انتشرت على نحو كبير في تلك الفترة، وكانت تهدف كما سابقتها، وجل منشورات الثورة ودور النشر الفلسطينية والعربية في بيروت، سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، إلى تعزيز حضور القضية الفلسطينية عربياً وعالمياً.
وعلاوة على ذلك، أنجز التوني عشرات اللوحات المتعلقة بفلسطين وقضيتها، والكثير من الملصقات أيضاً في إطار تعاونه مع دائرة "الإعلام الموحد" لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما وثق في سلسلة من رسوماته حصار بيروت في العام 1982، والذي عاش وعايش تفاصيله بنفسه، واستعاد إحداها مع الأيام الأولى لحرب الإبادة المتواصلة على غزة، وحملت عنوان "فلسطين الأمّ"، مرفقة بعبارة توضيحيه، جاء فيها: "هذه اللوحة عن سيّدة فلسطينية تنتظر.. رسمتُها في بيروت صيف 1982، وبعد أيام من رسمها اجتاحت إسرائيل لبنان واحتلّت بيروت، لتكون أوّل عاصمة عربية في العصر الحديث تسقط تحت الاحتلال.. وتضيع اللوحة!.. ومن يومها والسيّدة الفلسطينية تنتظر، حتى يأتي أولادها وأحفادها، بعد إحدى وأربعين سنة، ليردّوا لها شرفها وكرامتها".
ووثق التوني بصريّاً في لوحات، لانتفاضة الحجارة العام 1987، ليواصل رسم فلسطين حتى أيامه الأخيرة، هي التي سكنته وسكنت لوحاته، وكان حتى رحيله واحداً من أعلام ثقافتها البارزين، ممن حملوا رايتها فنيّاً أينما ارتحلوا.
وصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الشهر الماضي، كتاب "العودة تبدأ منك"، من تأليف ميسون سكرية ورسوم حلمي التوني، ويحكي قصة مراهقَين فلسطينيَّين من مخيم شاتيلا، رملة وعائد، يحاولان البحث عن وطن واكتشاف سبب كونهما لاجئَين، إلى أن تزورهما شجرة زيتون قديمة من فلسطين في المنام.
ونعى العديد من المثقفين والأدباء والفنانين الفلسطينيين الفنان الكبير، من بينهم: الروائية ليانة بدر، والكاتب والباحث حسن خضر، والناشر ماهر كيالي، والكاتب والناقد وليد أبو بكر، والفنان المسرحي فتحي عبد الرحمن، وغيرهم.
جدير بالذكر أن الفنان التشكيلي الراحل حلمى التونى، وفي التاسع والعشرين من تشرين الثاني الماضي، ولمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، كتب على صفحته في "فيسبوك": شعرتُ بواجب تجاه القضية الفلسطينية من وازع القومية العربية لما يحدث من قسوة وانعدام العدالة"، لافتاً إلى أنه وخلال أول شهرين للعدوان رسم نحو عشر لوحات عن فلسطين، وقام بنشرها تلقائياً على صفحته، موجهاً في تعليق مرفق علاوة على الإشادة بقوة وصمود الشعب الفلسطيني، لوماً كبيراً لكل فنان عربي لم يتحرك أو يتأثر تجاه ما يحدث في فلسطين، واصفاً موقفه بالسلبي، خاصة أن "الفنان لا بد أن يهتم بالشأن العام"، لاسيما "قضية فلسطين وما يحدث فيها".
0 تعليق